المحرر

اليوم العاشر الفاجعة العظمى

23/11/1445 - 11:06 م     61

اليوم العاشر الفاجعة العظمى 


  
عقيل الجمعة 24 ذو القعدة 1445 - 12:25 ص تعليق

ـ
إنا لله وإنا إليه راجعون

لمثل هذا فليعمل العاملون
السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله السلام عليك يا بن رسول الله السلام عليك وعلى نحر المنحور وصدرك المكسور السلام عليك وعلى شيبك الخضيب وبدنك السليب اشهد يا مولاي أن دمك سكن في الخلد واقشعرت له أظلة العرش وبكى له جميع الخلائق وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن إن يقتلوك على شاطي الفرات ظماً فلقد تضعضع كرسي السماء عِظماً وقد بكتك دماً حتى العدى ندماً أي المحاجر لا تبكي عليك دماً أبكيت والله حتى محجر الحجرٍ
هذه الليلة الحسين وأصحابه لهم دوياً كدوي النحل بين قائم وقاعد وراكعٍ وساجد وتالٍ لأجزاء القرآن والحوراء زينب تنظر إلى أخيها يُصلح سيفه وينعى نفسه ويقول يا دهر أف لك من خليلي كم لك بالإشراق والأصيلٍ قالت أخي أبن أم

خائفة خائفة على أخيها

أخي هل أختبرت أصحابك نياتهم أخشى أن يُسلموك عند الوثبة قال بلى أُخيا لقد بلوتهم واختبرتهم فما رأيت منهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمينة دوني أستئناس الطفل بمحالب أمه ولمّا أصبحوا يوم العاشر من المحرم صلى الحسين بأصحابه صلاة الصبح ثم قام خطيباً فيهم حمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وآله فصلى عليه ثم قال ان الله اذن فی قتلکم و قتلي فی هذا اليوم فعليکم بالصبر والقتال ثم صفّهم للحرب وکانوا 77 ما بين فارس وراجل فجعل ( زهيربن القين) في الميمنه و(حبيب ابن مظاهر) في الميسره واعطی رايته ( اخاه العباس ) وثبت هو واهل بيته في القلب واقبل عمر ابن سعد نحو الحسين فی ثلاثين الفا وعلی الميمنه عمر ابن الحجاج الزبيدي وعلی الميسره شمر ابن ذي الجوشن وعلی الخياله عزرة بن قيس وعلی الرجاله شبث بن ربعي والرايه بيد مولاه ذويد واقبل القوم الظالمون يحومون حول الخيام فيرون النار تضطرم فی الخندق فصاح شمر باعلی صوته يا حسين تعجلت بالنار قبل يوم القيامه فقال الحسين من المتكلم کانه شمر ابن ذي الجوشن قيل نعم : فقال يا بن راعيه المعزی انت اولی بها مني صيليا ورام مسلم ابن عوسجه ان يرميه بسهم فمنعه الحسين وقال اکره ان ابداهم بقتال ولما نظر الحسين الی جمعهم کانه السيل رفع يديه بالدعاء وقال : اللهم انت ثقتي في کل کرب ورجائي في کل شدة وانت لي في کل امر نزل به ثقة وعّدة کم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيله ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو انزلته بك وشکوته اليک رغبة مني اليک عمن سواک فکشفته وفرجته فأنت وليُ کل نعمة ومنتهی کل رغبة ثم دعا براحلته فرکبها ونادی في الناس بصوت عال يسمعه جلهم ايها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتی اعظکم بما هو حق لکم عليّ وحتی اعتذر اليکم من مقدمي عليکم فان قبلتم عذري العذر وصدّقتم قولي واعطيتموني النصف من انفسکم کنتم بذلک اسعد ولم يکن لکم عليّ سبيل و ان لن تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النصف من انفسکم فأجمعوا امرکم وشرکائکم ثم لا يکن امرکم عليکم غمّة ثم اقضوا اليّ ولا تنظرون ان وليّ الله الذي نزل الکتاب وهو يتولی الصالحين فلما سمعن النساء هذا منه صحن وبکين وارتفعت اصواتهنّ فأرسل إليهن أخاه العباس وابنه علياً الأکبر وقال لهما إسكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن ولما سكتن حمد الله واثنی عليه وذكر النبي فصلى عليه وكان اذا تكلم كأنما يُفرغ على لسان أبيه ثم قال أيها الناس الله خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حال بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغّرنکم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من رکن اليها وتخيّب طمع من طمع فيها وأراکم قد أجتمعتم علی أمرٍ قد أسخطتم الله فيه عليکم واعرض بوجهه الکريم عنکم واحّل بکم نقمته وجنبّکم رحمته فنعم الربّ ربّنا وبئس العبيد انتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد (صلّی الله عليه واله وسلم)
ثم ها أنتم قد زحفتم إلى ذريته وأهل بيته تريدون قتلهم لقد أستحوذ عليکم الشيطان فأنساکم ذکر الله العظيم فتّباً لکم ولما تريدون

إنا لله وإنا اليه راجعون

فصاح عمر بن سعد بأصحابه ويحكم كلموه فإنه ابن أبيه فو الله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما انحصر فناداه شمر بن ذي الجوشن يا حسين ما ندري ما تقول أفهمنا حتى نفهم فقال الحسين أقول لكم اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني فإنه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي فإنني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم أيها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا الی أنفسکم وعاتبوها وانظروا هل يحلّ لکم قتلي وانتهاک حرمتي ألست ابن بنت نبيکم وابن وصيه وابن عمه واول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربه ؟ او ليس (حمزه سيد الشهداء) عم ابي؟ اوليس (جعفرالطيار) عمي ؟ او لم يبلغکم قول رسول الله لي ولأخي (هذاني سيدا شباب اهل الجنه) فان صدّقتموني بما اقول وهو الحق والله ما تعمّدت الکذب منذ علمت ان الله يمقت عليه اهله ويضرّ به من اختلقه وان کذّبتموني فان فيکم من ان سألتموه عن ذلک اخبرکم سلوا (جابر ابن عبد الله الانصاري) و (ابا سعيد الخدري) و(سهل ابن سعد الساعدی) و (زيد ابن ارقم) و (انس ابن مالک ) والبراء بن عازب يخبروکم أنهم سمعوا هذه المقاله من جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انا في هذا حاجز لكم عن سفكي دمي وانتهاك حرمي وإن كنتم في شك من هذا
افتشکون اني ابن بنت نبيکم فوالله مابين المشرق والمغرب ابن بنت نبيا غيري فيکم ولا في غيرکم وصمتوا كأن على رؤسهم الطير وأصبحوا لايکلمونه فنادی الحسين بأعلى صوته ( يا شبث ابن ربعي ويا حجار ابن ابجر ويا قيس ابن الاشعث ويازيد ابن الحارث) الم تکتبوا أليّ ان اقدم قد اينعت الثمار واخضّر الجناب وانما تقدم علی جند لک مجنده فقالوا لم نفعل فقال الحسين بلى والله : لقد فعلتم فقيل له يا حسين دع عنك هذا وانزل على حكم بني عمّک فانهم لن يروک الا ما تحب فقال الحسين هيهات لا والله لا اعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد ثم قفل راجعا وامر عقبة بن سمعان وهو مولى الرباب زوجته سلام الله عليه أمره أن يعقل راحلته فلما هّم أن يخطب في الناس الخطبة الثانية أخذ المصحف الشريف ونشره على رأسه وقال أيه الناس بيني وبينكم كتاب الله وسنة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله أنشدكم الله انا هذا سيف رسول الله أنا متقلده وأما هذه عمامة رسول الله أنا لابسها ويحكم على ماذا تقاتلونني لقتيل منكم قتلته أو لمال أستهلكته أو لقصاص من جراحة فقالوا طاعة للامير عبيد الله ابن زياد فقال عليه السلام : تّباً لكم ايتها الجماعة وترحا أحين اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَالِهِينَ ، فأصرخناكم موجفين مؤدياً مستعدين سللتم علينا سيف لنا في ايمانكم وحششتم علينا نارا اقتدحناها علی عدونا وعدوكم فأصبحتم إلباً لأعدائكم علی اوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم وحششتم علينا نار احتقدناها على عدونا وعدوكم فأصبحتم إلباً على أوليائكم ويدا ويداً عليهم لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا أقل كان لكم فيهم إلا الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيشاً طمعتم فيه فهل لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لما يستصحف ولكن اسرعتم اليها كثيرة الدبا وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها فسحقاً لكم يا عبيد ألامه وشذاذ الاحزاب ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم وعصبة ألاثم ونفثة الشيطان ومطفئ السنن ومبيد عترة الاوصياء وقتلة أولاد الأنبياء ويحكم أهؤلاء تعبدون وعنا تتخاذلون اجل والله غدر فيكم قديم وشجة عليه أصولكم وتأزرت فروعكم وثبتت عليه قلوبكم فأصبحتم أخبث ثمر شجن لناضر وأكلة للغاصب الأ لعنة الله على الظالمين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فأنتم والله هم ثم قال الا وان الدعي ابن الدعي يعني ابن زياد قد ركز بين اثنتين بين السّلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبيه من ان نؤثر طاعة اللئام علی مصارع الكرام ألا وأني زاحف بهذه ألاسرة علی قلة العدد وخذلان الناصر

ثم تمثل قول الشاعر

فأن نهزم فهزّامون قِدماً
وإن نهزم فغير مهزّمينا
وما ان ّطِبُنا جِبٌن
ولكن منايانا ودولة آخرينا
فقل للشامتين بنا افيقوا
سيلقی الشامتون كما لقينا

أما أنكم لا تلبثون بعدي إلا كريثما تركب الفرس حتی تدور بكم دور الرحی وتقلق بكم قلق المحور عهٌد عهده أليّ أبي عن جدي رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلم فأرجعوا أمركم وشركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غُمة ثم اقضوا أليّ ولا تُنظِرون إني توكلت علی الله ربي وربكم ما من دابه الاّ هو اخذ بناصيتها أن ربي علی صراط مستقيم
ثم قال ادعوا لي عمر بن سعد وكان للقائه كارها ثم قال أي عُمر أتزعمُ انك تقتلني ويوليك الدَعي ابن الدعي مُلك الرَي وجرجان هيهات هيهات إنك لا تتهنأ بعدي منها بشيء أبدا وكأني برأسك علی قصبة يدار به في أزقة الكوفة يتراماه الصبيان بالحجارة عهدُ معهود عهد لي أبي عن جدي رسول الله (ص) فصنع ما انت صانع فغضب عمر بن سعد وقال لأصحابه ماذا تنتظرون بالرجل ثم أستل سهم من جرابه ووضعه في كبد قوسه ورمى به نحو الحسين

وقال اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى الحسين بسهم ثم رمى أصحابه وأقبل السهام والنبال نحو الحسين كأنها رشق المطر ووصلت إلى خيام النساء ففزعنا وذُعرن فقال الحسين لأصحابه قوموا رحمكم الله للموت الذي لابد منه فهذه رسل القوم قد وصلت إليكم فقام أصحاب الحسين وحملوا حملة رجل واحد واشتد القتال وتناثرت الرؤوس وتطايرت الأيدي وتفجرت الدماء وتساقطت الجثث ورتفع الصراخ وعلا صهيل الخيل وثارت غبرة وما انجلت الغبرة إلا عن خمسين صريعاً من أصحاب الحسين
ثم تقدم عبد الله بن عمير الكلبي وهو من بني عُليم وكنيته أبو وهب وكان طويلاً شديد الساعدين شريفاً في قومه لم يزل يقاتل حتى بصر بزوجته أم وهب وقد أخذت عموداً من أعمدة الخيمة وجاءت تقاتل معه وهي تقول قاتل دون الطيبين ذرية محمد وأهل بيته فداك نفسي فقال لها يا بنت العم لقد كنتي قبل قليل تمنعينني عن القتال والآن جئت تقاتلين معي فانتحبت وبكت وقالت يا بن العم لا تلمني

فإن واعية الحسين كسرت قلبي

قال وما الذي سمعتي منه قالت سمعته بباب الخيمة ينادي وقلة ناصراه

فأراد أن يعيدها إلى الخيام فلم تطاوعه وأخذت تجاذبه ثيابه وهي تقول لا والله لن أدعك حتى أموت معك

فناداها الحسين أرجعي للخيام رحمك الله فإن النساء ليس عليهن قتال فعادت وهي تقول إلهي ارزقني الشهادة في سبيلك فلما قتل زوجها خرجت إلى مصرعه أخذت تمسح الدم والتراب عن وجهه ورأسه وهي تقول أسأل الله الذي رزقك الشهادة أن يصحبني معك فرآها شمر بن ذي الجوشن فقال لغلامه ويحك أضرب رأسها بالعمود فضربه فماتت على رأس زوجها فكانت أول أمرأة تُقتل من أصحاب الحسين في كربلاء ثم أخذ الرجلان والثلاثة من أصحاب الحسين يتقدمون للقتال فيقتلون فلما نظر الحسين إلى كثرة من قُتل من أصحابه أرخى عينيه بالدموع وقبض بيده الكريمة على شيبته المقدسة وقال اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثالثه واشتد غضبه على المجوس اذ عبدوا الشمس والقمر من دونه واشتد غضبه على قومُ اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم لا والله لا أجيبهم إلى شيء مما يردون حتى القى الله مخضب بدمي وما هي إلا ساعة وإذا ليس من اصحاب الحسين رجل واحد

ثم حمل الهاشميون حملة واحدة والحسين يصبرهم ويقول صبراً يا بني عمومتي صبراً يا اهل بيتي لا لقيتم هواناً بعد هذا اليوم فكانوا يرتقون صرعاً واحداً بعد الآخر فكان أول من قتل منهم ولده علي الأكبر وآخر من قتل منهم أخوه أبو الفضل العباس حيث قطعت يمينه وشماله أصابه عمد الحديد على رأسه فمشى لمصرعه الحسين وطرفه بين الخيام وبينه متقسم فأكب منحنياً عليه ودمعه صبغ البسيط كأنما هو عندما وضع يده اليمنى على قائم سيفه واليسرى على خاصرته وانحنى على أخيه وهو يقول أخي الآن انكسر ظهري الآن قلة حيلتي

ثم دوّت صرخته في الناس أما من ناصر ينصرنا أما من مغيث يغيثنا أما من ذاب يذب عنا

من قلوبنا لبيك أبا عبد الله لبيك يا حسين

ثم عاد الى الخيام مكسور الجناح قال أُخي زينب عليا بولدي عبد الله الرضيع

أختي آتني بطفلي أراه قبل الفراغ
فأتت بالطفل لا يهدأ والدمع مُراغ
يتلظى ظمأً والقلب منه في احتراق
غائر العينين خاوي البطن ذاوي الشفتين

فبكى لما رأه يتلظى بالأُوام بدموع هاميات تخجل السجن السجام ونحى قومه وفي كفيه ذياك الغلام وهما من ظمأ قلباهما كالجمرتين ودعا في القوم يالله للخطب الفضيع

نبؤني أأنا المذنب أم هذا الرضيع
لاحظوه فعليه شبه الهادي الشفيع
لا يكن شافعكم خصماً لكم في النشأتين
عجلوا نحوي بماء أسقيه هذا الغلام
فحشاه من ظمأ في احتراق واضطراب القوم

صاح عمر بن سعد يا حرملة أقطع نزاع القوم فعرف غايته قال يا أمير أرمي الوالد أم الولد
قال بل أرمي الولد ألا ترى إلى رقبته كأنها أبريق فضة فهنا سدد حرملة سهماً في كبد قوسه ورمى به نحو الرضيع

يا علي

فذبحه من الوريد إلى الوريد

وارضيعاه ومظلوماه

أحس الرضيع بحرارة السهم أخرج يديه من الغماط وفتح عينه
عمره ستة أشهر متعود على عناق أبيه أخرج يديه من الغماط وشبك بهما على رقبة والده ثم أمال برقبته

ورضيعاه وذبيحاه

تلقى حسين دم الطفل بيديه
شحال الينجتل بحجره وليده

سال وترس شفه من وريده
وذبه للسما وللقاع ماخر

وهو يقول اللهم لا يكونن هذا أهون عليك من فصيل ناقة صالح

عاشوري
آه

مياتم للحزن ننصف ونا بني
فجعني حرملة بسهمه وانا بني

الطفل عاده يفطمونه وانا بني
انفطم يا ناس بسهام المنيه

هاي أمك يا عبد الله عمَة عيني

يا ضيه على دربي جدي جديني

سهم الصابك الماذيك ماذيني

بنحرك ما نبت يا بني نبت بحشاي

عاد الحسين به إلى الخيام أحتفر حفيرة بذباب سيفه ثم دفن رضيعه

صح ورضيعاه

ثم جاء إلى ولده علي الأكبر دخل عليه خيمته أخذ يوصيه بوصاياه عقد له مقاليد الإمامة هذا وجراحاته تشخب دما وكان كل ما تنفس نبعت الدماء من جراحاته ثم عاد إلى نسائه وبناته أخذ يوصيهن بوصاياه يا زينب يا ليلى يا رملة يا رقية يا فلانة ويا فلانة هلممن للوداع فلقد دنى منكن الانتجاع عليكن بلبس المقانع ووضع الأُزر واعلّمن أني مقتول مسلوب ثم خص أخته زينب بوصاياه وقال أخي زينب تعزي بعزاء الله وصبري وعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون الله الله في العيال والنساء أشبعي جوعتهم أروي ضمئهم أخت يا زينب أوصيك بوصايا فاسمعي أنني في هذه الأرض ملاقاً مصرعي يا زينب فصبري فالصبر من شيم الكرام المترعي

عظم الله أجوركم

ثم قال أخي زينب عليا بثوب عتيق لا يطمع فيه العدو حتى أضعه تحت ثيابي فجاءت إليه بثوب عتيق أخذ يخرقه بسيفه فقالت أخي قطعت نياط قلبي لمِا تخرق الثوب قال أخيه اعلمي أني مقتل مسلوب أنا أخرقه كي لا يطمع فيه العدو فهنا صرخت وقالت ومحمداه وعلياه

اليوم مات جدي رسول الله اليوم مات أبي أمير المؤمنين اليوم ماتت أمي فاطمة الزهراء اليوم مات أخي الحسن فحياة أصحاب الكساء حياته وبيوم مصرعه جميعاً صُرعوا ما احدث الحدث خطباً فاضعاً إلا وخطب السبط منه أفضع دمه يباح ورأسه فوق الرماح وشِلوهِ بشبه الصباح موزع

ثم قالت أخي حسين اكشف لي عن صدرك ونحرك كشف لها عن صدره ونحره قبلته وشمته فيهما ثم حولت وجهها نحو المدينة وقالت أماه لقد رُدت الوديعة

عظم الله أجوركم

ثم انحدر الحسين إلى الميدان كالليث إذا غضب قلب الميمنة على الميسرة والميسرة على الميمنة والقلب على الجناح زوج السيف بالنفوس ولكن مهرها الموت والخضاب النجيعُ شّد على الميمنة وهو يقول

الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار

شّد على الميسرة

وهو يقول
أنا الحسين بن علي آليت ألا أنثني أمضي على دين النبي أحمي عيالات أبي

شّد على القلب

وهو يقول
أنا ابن علي الطهر
من آل هاشم
كفاني بهذا مفخرا حين أفخر وجدي رسول الله أكرم من مشى ونحن سراج الله في الخلق يزهر

كل ما تقدم إليه فارس أو راجل بعجه بسيفه حتى كثرت القتلى بين الناس
ماله في حومة الهيجاء في الكري
شبيه غير مولانا علياً والفتى سر أبيه
غير أن القوم بالكثرة كانوا متعبيه
وهو ظامن شفتاه أضحتاه ناشفتين
دأبوه الذب إلى أن شّب في القلب الأُوام وحكى جثمانه القنفذ من رشق السهام وتوالى الطعن والضرب على الليث الهمام

يا زهراء

وعراه من نزيف الدم ضعف الساعدين

أقبلت إليه السهام والنبال من كل جانب حتى وصل إليه زهاء أربعة آلاف نبله وطعنه النبلة فوق النبلة والطعنة فوق الطعنة والضربة فوق الضربة هذا ودمائه تشخب من كل جانب وقد اشتد به لهيب العطش صح يا حسين

عظم الله أجوركم

فتصايح الناس من كل جانب يا عمر بن سعد ماذا نصنع والحسين ابن علي يحصد في النفوس لئن تُرك هكذا أفنانا عن آخرنا فقال الرأي أن تحولوا بينه وبين عياله فإنه الرجل غيور هذا وقد أحدقوا به من كل الجهات وقد عجبت من صبره ملائكة السموات فحالوا بينه وبين عياله فصاح الحسين فيهم يا شعية آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرار في دنياكم فصاح شمر بن ذي الجوشن يا بن فاطمة ما ندري ما تقول فقال الحسين أقول لكم أنا الذي اقاتلكم وتقاتلونني
والنساء ليس عليهن ذمام فمنعوا عتاتكم وجهالكم عن التعرض لحُرمي ما دمت حيا صاح أقصدوني بنفسي وتركوا حُرمي قد حان حيني وقد لاحت لوحائه فصاح شمر بأصحابه أقصدوه بنفسه

فلعمري أنه كُفُوُاً كريم

أفترقوا عليه أربعة فرق
فرقة بالسيوف
وفرقة بالرماح
وفرقة بالسهام والنبال
وفرقة بالحجارة

فهنا مال الجيش على الوحيد مال الجيش على الغريب
مال الجيش على العطشان

أقبلت السهام والنبال والحجرة تترى عليه كأنها رشق المطر

عظم الله أجوركم

وإذا بحجر أبي الحتوف يصيبه في جبهته

تفجرت الدماء من موضع سجوده وسالت على وجه ورفع الحسين قميصه ليمسح الدم عن وجه بان بياض النور من صدره

يا زهراء

وإذا بسهم مثلث ذي ثلاث شعب يشق الهواء نبت في لبة صدره

أراد الحسين أن يستخرج السهم من الأمام ما تمكن أنحنى على قربوس سرج جواده وضع يده خلف ظهره وهو يقول بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول ثم استخرجه ولكن ما أخرجه إلا بثلثي كبده

صار الحسين يترنح على ظهر جواده أخذ الجواد يباعد بين قوائمه كأنما أعطي فهماً ثم أمال الجواد بظهره تلقى الحسين الأرض بجرحاته وبوجهه الطاهر

عظم الله أجوركم

جالت عليه الخيل
أسرع القوم إليه أخذ الحسين يجمع له وسادة من التراب ويأخذ من دم صدره ويخضب به لحيته ورأسه وهو يقول هكذا ألقى الله وأنا مخضب بدمي

يا أبا صالح

الخيل جالت على جدك قبل ذبحه يا رسول الله هذا ريحانتك أتراني أعير وجهي صوته على وجه تجول الخيول

أسرع إليه مالك بن النسر ضربه بسيفه على رأسه فتفجرت الدماء من رأسه وأصابة برنسه فقال له الحسين لا أكلت بيمينك ولا شربت بها وحشرك الله مع القوم الظالمين ثم انتهى إليه زرعة بن شريك ضربه بالسيف على كتفه الأيسر ثم انتهى إليه سنان بن أنس طعنه بالرمح في ترقوته وفي روابي صدره ثم انتهى إليه صالح بن وهب طعنه بالرمح في خاصرته وكل ما دنا منه أحد ضربه برحمه ورمقه الحسين فولى هارباً وإذا بشمر بن ذي الجوشن يشق الصفوف وهو يقول ماذا تنتظرون بالرجل وصل إلى المولى رفسه برجليه

داسه بالنعل على صدره

مكّن السيف من نحره قبض على شبيته أخذ يهبر أوداجه

أثر نقعها يا علي فحسين قضى وغلت أحشائه لم تنقعي إذا قعد الشمر في صدره فمال لقعودك من موضعي قام من على صدره وأكّب المولى على وجه

ضربه أثنتي عشر ضربة

يا زهراء يا زهراء يا زهراء

حتى فصل الرأس عن الجسد










ويلي آه يا زينب شاهد عيان الحوراء زينب

يا مه يا مه أنا سمعت يون وتقربت ليه

لقيت الولي متوسد ايده

لقيت ألف وتسعمية جرح بيه

يا جرح أشده ويا جرح أخليه

خلي كل جرح يا حشاي عوفيه

وجرح إلي بصدري عينك عليه

واحسيناه

يا يمه أنا تمنيت أحط خدي على خده

يا يمه وشفت أخوي حسين راس ما عنده

   أضف مشاركة